•
٢٤ جمادى الأولى ١٤٤٧ هـ
السوق الأكثر جاهزية للانفجار الاستثماري
اكتب لكم
مقالات أخرى
هذه المقالة ليس للمُتلقي العادي… بل لمن يقرأ الأرقام كأبواب مفتوحة
في كل حديث يدور حول مستقبل الأعمال في السعودية، يتكرر السؤال نفسه: أين تتجه الفرص؟ عادة ما تتجه الإجابة نحو التقنيات الناشئة، الخدمات المالية، الذكاء الاصطناعي، أو التجارة الرقمية. لكن خلف هذا الزخم، هناك قطاع آخر يتشكل بصمت، ويمتد تأثيره على كل القطاعات دون استثناء، ورغم ذلك لا يزال يُعامَل كوظيفة داخل المؤسسات أكثر من كونه سوقًا استثماريًا قائمًا بحد ذاته ألا وهو : مجال #تجربة_العميل
تغيّر شكل الاقتصاد السعودي خلال الأعوام الماضية كان كافيًا ليكشف أن التجربة لم تعد “تفصيل تنظيمي”، بل أصبحت في صميم المنافسة. فالأنشطة غير النفطية وصلت إلى قرابة نصف الناتج المحلي في عام 2023، وفق تحليل بيانات الهيئة العامة للإحصاء المنشور على أرقام ومع ارتفاع مساهمة الاقتصاد الرقمي إلى 15.6% من الناتج في العام نفسه، وذلك بحسب التقرير الإحصائي للاقتصاد الرقمي المنشور نهاية 2024 أصبح واضحًا أن السوق يتحول من اقتصاد يعتمد على وفرة الخيارات… إلى اقتصاد يختبر جودة التجربة عند كل نقطة تماس مع العميل.
في هذا السياق، تظهر الأرقام لتقول شيئًا مباشرًا لا يحتمل التأويل. حجم سوق إدارة تجربة العميل في السعودية بلغ 156.2 مليون دولار في 2023، مع توقعات بوصوله إلى 746.7 مليون دولار في 2032 بمعدل نمو سنوي يقارب 19.4%، وفق تقرير منشور في أكتوبر 2024. وتقدير آخر يضع حجم السوق عند 131.7 مليون دولار في 2023 متجهًا نحو 385.9 مليون دولار في 2030، بمعدل نمو يقارب 16.6%
ورغم اختلاف التوقعات، إلا أن الاتجاه واحد: السوق ينمو أسرع مما يُبنى له من حلول. واللافت أن هذا النمو لا يعتمد على حملات ولا مبادرات، بل على التحول السلوكي للمستهلك، الذي أصبح رقميًا بالكامل تقريبًا. فوفق تقرير الإنترنت في السعودية لعام 2023 الصادر عن هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية، وصل استخدام الإنترنت عبر الجوال إلى 98.9%
هذا الرقم وحده يكفي ليفهم المستثمر أن كل تجربة، من أول نقرة إلى آخر محادثة دعم. إما فرصة اكتساب… أو خسارة فورية.
ومع توسع السوق، تظهر الفجوة التي تخلق الفرصة: القطاعات تتقدم بسرعة، بينما التجربة نفسها تتحرك بوتيرة أبطأ. الأدوات تتوفر، لكن التكامل غائب؛ البيانات موجودة، لكن توظيفها ما زال في بداياته؛ وعدد الحلول المتخصصة أقل بكثير من حجم الطلب الحقيقي. هذه الفجوة ليست نواقص تشغيلية، بل مناجم للاستثمار.
الأمر لا يقتصر على السوق المحلي. تقرير حديث يقدّر حجم سوق تعهيد خدمات تجربة العميل عالميًا بـ 79.4 مليار دولار في 2023، مع توقعات بتجاوزه 205 مليارات دولار في 2032 ومع توسع شركات عالمية نحو السعودية خلال 2024، بدا واضحًا أن المملكة تتحول إلى مركز إقليمي لصناعة التجربة، لا مجرد سوق مستهلك لها
لكن ما يهم المستثمر قبل كل شيء: أين العائد؟! البيانات الحديثة توضح أن تحسين التجربة ينعكس مباشرة على الأرباح. الإحصائيات المنشورة لعام 2025، والمبنية على بيانات 2024 والتي تشير إلى أن 84% من الشركات التي حسّنت تجربة العميل شهدت نموًا في الإيرادات، وأن رفع الاحتفاظ بالعملاء بنسبة بسيطة (حتى لو 5%) قد يرفع الأرباح بين 25% و95% ، ليس لأن العميل الجديد غير مهم، بل لأن العميل الذي تبقيه معك يكلفك أقل… ويصرف أكثر… ويُحيل عملاء جدد دون تكلفة إضافية. وهذا يخلق سلسلة تأثير مضاعفة.
هذه النتائج تضع معادلة واضحة: التجربة ليست تكلفة… بل مضاعف للقيمة العمرية للعميل.
وعندما ندمج ذلك مع بيئة سعودية تشهد توسعًا في قطاعات الصحة، والسياحة، والمالية، والخدمات الحكومية، يصبح السؤال الحقيقي: هل تجربة العميل مجرد وظيفة تنتظر تقريرًا ربع سنويًا؟ أم أنها سوق يتشكل، ويحتاج من يشغله، ويصنع أدواته، ويبني منصاته، ويقود نموّه قبل أن يستقر في يد لاعبين آخرين؟
المستقبل لن يكافئ من يقدم تجربة “أفضل” فحسب، بل من يفهم أن التجربة أصبحت "بشكل غير معلن حتى الآن" أحد أهم الأسواق الصاعدة في السعودية. سوق يخلق القيمة من التفاصيل، ويحوّل الاحتكاك إلى أرباح، ويعيد تعريف العلاقة بين العميل والجهة التي يخدمها.
وبما أن ملامح هذا السوق تتشكل الآن، أدعو المتخصصين وصُنّاع القرار والمهتمين بحضور منتدى عالم تجربة العميل القادم بتاريخ 9–10 ديسمبر 2025؛ حيث تُناقش الاتجاهات، وتُستعرض الفرص، ويُعاد رسم مستقبل هذا القطاع الواعد.
السوق اليوم لا ينتظر من يحلله، بل من يشكّله !
دمتم بود؛
