تجربة العميل
•
٦ رجب ١٤٤٧ هـ
مؤشر NPS كإشارة مالية: قراءة مختلفة لتجربة العميل
اكتب لكم
مقالات أخرى
عندما يشتد الضغط في قطاع الأعمال، لا تُختبر الأسواق بقدر ما تُختبر قرارات الإدارة السابقة. تتجه الأنظار سريعًا إلى السوق، ثم إلى الظروف، ثم إلى المؤشرات. نبحث عن تفسير خارجي يبرر ما نراه في نهاية السنة، ونفترض أحياناً أن الأرقام هي سبب ما حدث. الحقيقة أن المؤشرات لا تُنشئ هذه القوى، وإنما تكشف توقيت ظهورها فقط. ما نقرأه في القوائم المالية أو تقارير تجربة العميل هو نتيجة متأخرة لمسار طويل من القرارات التي اعتدنا عليها حتى توقفنا عن ملاحظتها.
في التحليل المالي والمحاسبي، تُفهم قوة المورّد وقوة العميل كعوامل تؤثر مباشرة على الهوامش، والتدفقات النقدية، واستدامة النمو. قوة المورّد تنعكس في ارتفاع تكلفة المدخلات، وتراجع مرونة التفاوض، وزيادة المخاطر. قوة العميل تظهر في ضغط الأسعار، وارتفاع تكلفة الاحتفاظ بالعميل، وطول دورة التحصيل. هذه التأثيرات لا تتشكل عند لحظة التفاوض، وإنما تتراكم داخل النموذج التشغيلي، ثم تصل إلى السطح عندما تضيق الخيارات. هذه المؤشرات لا تُناقش عادةً في سياق تجربة العميل، لكنها في الواقع تمثل لغتها المالية.
الخلل يحدث بشكل كبير عندما تعتمد المنشأة على مورد حرج واحد، فإن هذا القرار يُسجَّل في دفاترها قبل أن يُناقَش في العقود. تكلفة التحول ترتفع، والأصول ترتبط بمصدر واحد، والمرونة تتآكل تدريجيًا. وعندها يصبح التفاوض انعكاسًا لوضع مالي تشكّل مسبقًا. القوة هنا لم تظهر فجأة، بل نمت داخل تصميم افترض الاستقرار فترة أطول مما ينبغي.

المسار ذاته يتكرر مع العملاء. حين تتقارب العروض وتضعف الفروق! تصبح القيمة صعبة الترجمة رقميًا، فيتحول السعر إلى أداة المقارنة الأسهل! كل خصم إضافي، وكل تكلفة استحواذ أعلى، وكل تمديد في التحصيل يرسل إشارة إلى أن العلاقة فقدت عمقها الاقتصادي. قوة العميل في هذه الحالة نتيجة فراغ في القيمة القابلة للدفاع عنها.
في هذا السياق ظهر مؤشر NPS عام 2003، عندما قدّمه Fred Reichheld بالتعاون مع Bain & Company. السؤال صُمم ليكون إشارة مبكرة لقوة العلاقة الاقتصادية، لا قياسًا انطباعيًا. الاستعداد للتوصية يعكس مستوى من الثقة يُترجم لاحقًا إلى استمرار، ونمو، وانخفاض تكلفة الاحتفاظ.
مع اتساع الاستخدام، أصبح المؤشر يُراجع كرقم مستقل، وبدأت تظهر فجوة بين القياس والتأثير. في 2006 بدأ التوسّع المفاهيمي للمؤشر مع كتاب The Ultimate Question، حيث انتقل من أداة قياس إلى منهج تفكير في الولاء. ثم بين 2011 و2013 ترسّخ المفهوم كنظام متكامل تحت مسمى Net Promoter System، ليعيد التركيز على ما يحدث قبل الرقم وبعده: كيف تُدار التغذية الراجعة، وكيف تتحول إلى قرارات، وكيف تُغلق الفجوات التي تُضعف العلاقة اقتصاديًا.
هنا تتقاطع قصة المؤشر مع القصة المالية لقوة السوق. المورد يكتسب نفوذًا عندما تقل البدائل، والعميل يكتسب نفوذًا عندما تتشابه الخيارات. العامل الحاسم في الحالتين هو قدرة المنظمة على بناء قيمة يمكن الدفاع عنها، وقدرة النموذج التشغيلي على خلق مرونة قبل أن تتحول العلاقات إلى نقاط ضغط.
المنظمات الناضجة تنظر إلى NPS كـ تنبيه مالي مبكر. انخفاض الرغبة في التوصية يفتح أسئلة عن مستقبل تكلفة الاحتفاظ، واستقرار الإيرادات، وأثر ذلك على الهوامش خلال السنوات القادمة. وبالطريقة نفسها، ارتفاع مخاطر التركز في التوريد يُقرأ كإشارة استراتيجية قبل أن يصبح أزمة تفاوضية.
ما نعتبره قياسًا لقوة العميل يعكس في جوهره مستوى نضج المنظمة في تصميم نموذجها. المؤشر لا يحدد من يملك النفوذ، وإنما يضيء المساحة التي تركتها القرارات دون معالجة. كلما اتسعت تلك المساحة، ظهر النفوذ في الطرف الآخر بشكل أوضح.
السؤال الحقيقي لا يتعلق بمن يضغط أكثر، ولا بأي مؤشر ارتفع أو انخفض. السؤال يدور حول القرارات التي بُني عليها النموذج، ومدى قدرتها على خلق توازن طويل الأمد. عندما يُطرح هذا السؤال بصدق!! تتحول المؤشرات من أرقام تدافع عن الماضي إلى أدوات تُصمم بها المرحلة القادمة، وتتحول القوائم المالية من سجل نتائج إلى خريطة طريق لقرارات أكثر وعيًا. السؤال الذي يجب أن يُطرح قبل إغلاق أي سنة مالية هو: أي القرارات التي نتجاهلها اليوم سنراها كـ “قوة سوق” غدًا؟
دمتم بود؛
