•
١٨ ذو القعدة ١٤٤٦ هـ
لحظة تاريخية تتقاطع فيها السياسة والاقتصاد وتجربة العميل
اكتب لكم
مقالات أخرى
في إحدى اللحظات التي تُحفر بالذاكرة، وجدت نفسي شاهداً على واحدة من أعظم مشاهد التحول في علاقة دولتين جمعت بينهما المصالح، وقرّب بينهما الطموح، وتوطدت أواصرهما بلغة المستقبل. كنت هناك في قلب الحدث، حين زار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب المملكة العربية السعودية للمشاركة في #منتدى_الاستثمار_السعودي_الأمريكي . لم تكن زيارة عادية، بل كانت صفحة جديدة تُطوى في سجل العلاقات التاريخية، لحظة مشبعة بالرمزية السياسية، والثقل الاقتصادي، وروح التغيير.
أثناء متابعتي لما دار، أدركت أن هذه المناسبة، بكل ما حملته من كلمات وقادة ومصافحات، كانت أكثر من منتدى اقتصادي أو لقاء سياسي. كانت تجربة متكاملة صُممت بعناية وفق نهج التصميم المتعمد للتجربة، وأُخرجت بإتقان، وجُسّدت فيها فلسفة #تجربة_العميل على مستوى دولة. من الحفاوة الاستثنائية إلى دقة التنظيم، والرسائل الإعلامية التي واكبت الحدث وشكّلت نقاط اتصال محسوبة بدقة، وصولاً إلى حضور الطابع الثقافي السعودي الأصيل التي استُقبل بها الضيوف، كل تفصيل كان محسوباً، وكل لحظة كانت مصممة لتُخلّد.
رأيت بأمّ عيني كيف يمكن للدولة أن تمارس التجربة لا كأداة تجميلية، بل كأداة استراتيجية ترسّخ الصورة الذهنية كجزء من إدارة الانطباع، وتعزّز الثقة، وتبني الولاء. لم يكن الحاضرين في تلك القاعة مجرد مستمعين أو متفرجين، بل كانوا شركاء، رؤساء، قادة أعمال، وصنّاع قرار. وما أدهشني أن الرسالة وصلت بوضوح: المملكة العربية السعودية لم تعد مجرّد سوق ناشئة، بل باتت منصة إقليمية للإنتاج، ومركزاً ملهماً لصناعة الفرص.
ومن على المنصة، وقف سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بثقة القائد، يعيد ترتيب المشهد أمام العالم. تحدّث عن العلاقات السعودية الأمريكية التي تعود جذورها إلى عام 1933م، لكنه لم يتوقف عند الماضي، بل مضى نحو المستقبل بلغة الاقتصاد المعرفي، وتوطين الصناعة، وتنويع مصادر الدخل، وبناء شراكات استراتيجية بقيمة تزيد على 300 مليار دولار مع خطة لرفع هذه القيمة إلى تريليون دولار في المرحلة القادمة.
ثم جاء خطاب الرئيس ترمب، الطويل والمليء بالتفاصيل، بنبرة امتنان وإعجاب لم تكن مألوفة في مثل هذه اللقاءات. قالها صراحة: "ما رأيته هنا لم أشاهده من قبل. ما يحدث في السعودية مذهل، لم يُبنَ بأموال أجنبية، ولا بإملاءات خارجية، بل بسواعد أبناء هذا الوطن، وبعقولهم، وبثقافتهم، وبفهمهم العميق لهويتهم."
كانت تلك لحظة توقّف عندها الجميع. فالرئيس الأمريكي، المعروف بصراحته، قدّم اعترافاً مباشراً بنجاح النموذج السعودي. نموذج لم يُملَ عليه، بل صُمم وانطلق من جذور الهوية، واستند إلى ثقافة محلية تعرف طريقها، وتملك الشجاعة لتسلكه.
وفي خضم ذلك، أعلن الرئيس ترمب، من على منصة المنتدى، عن قرار رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، ومشيداً بجهود ولي العهد. لم يكن الإعلان مجرد قرار سياسي، بل كان لحظة إنسانية بامتياز، حظيت بتقدير بالغ من سمو سيدي ولي العهد، الذي قابل هذه البادرة بمشاعر فرح الأخ لأخيه، وبامتنان عبّر عن مشاعر الشعب السعودي كله تجاه الشعب السوري الشقيق. شعور صادق لا ينبع فقط من المواقف الرسمية، بل من عمق القيم التي تربينا عليها، والتي عبّر عنها رسولنا الكريم ﷺ بقوله: "مَثلُ المؤمنين في تراحُمِهم وتوادُدِهم وتعاطُفِهم كمثلِ الجسدِ، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسدِ بالسهرِ والحمى."
تلك اللحظة أعادت تعريف معنى السياسة حين تتقاطع مع البُعد الإنساني، ومعنى القيادة حين تُترجم إلى مواقف نبيلة تُنبت الأمل في نفوس المتعبين. وهنا يتجلى جوهر تجربة العميل بمعناها الأعمق: أن تُبنى الانطباعات لا بالكلام بل بالفعل، وأن تُصمم اللحظات لتترك أثرًا عاطفيًا لا يُنسى، وأن يشعر الضيف أن ما رآه وسمعه وعاشه، كان قصة تستحق أن تُروى، لا زيارة عابرة.
خرجت من ذلك المنتدى وأنا على يقين أن ما عشناه لم يكن مجرد مناسبة، بل كان نموذجاً يُدرّس. نموذجاً في كيف تصنع دولة تجربتها، وتكتب قصتها، وتبني أثرها، برؤية طموحة، وقيم أصيلة، وسواعد لا تعرف المستحيل.
هكذا تُكتب التحولات، لا على الورق، بل في نفوس الشعوب، وفي عيون الضيوف الذين يخرجون حاملين قصة لا تُنسى. وفي ظل رؤية السعودية 2030، لم تكن هذه التجربة لحظة عابرة، بل ترجمة حيّة لطموح وطني يُبنى على الثقة، وتُروى قصصه.
دمتم بود؛